حزب فدا

نشر في موقع CGTN: الصين تصعد.. لنستفد من تجربتها.. ولنصعد معها

نشر في موقع CGTN: الصين تصعد.. لنستفد من تجربتها.. ولنصعد معها

كتبه أمين سر المكتب السياسي لـ فدا الرفيق مصطفى بشارات

تلخيص: الفضل في حجم التطورات الهائلة التي تحققها الصين في كل المجالات تعود لنظام حكم قوي، ومنصف، وعصري، وشفاف، لكنه في نفس الوقت مرن، يستجيب للمتغيرات ويأخذها بالحسبان، ويجري المراجعات والمحاسبات اللازمة دون أن يتردد أو ينتابه مرض الشعور بالعظمة أو يضيع البوصلة القيمية التي تحكم مسيرة عمله، وهذا النظام هو نظام الحزب الشيوعي الصيني الذي يستطيع أن يفاخر بنظام الحكم الذي يتبعه.

قبل حوالي 5 سنوات، تحديدا بتاريخ 20/11/2017، نشرت مقالا تحت عنوان “قطرة في بحر الصين” تحدثت فيه عن الانطباعات التي خرجت بها حول هذا البلد بعد زيارتين له: الأولى عام 2010 والثانية عام 2016، وها أنذا أحظى بزيارة ثالثة إلى الصين، بدأت يوم 8 تموز 2023 وانتهت يوم 18 من الشهر ذاته، شاركت خلالها في أعمال الدورة الرابعة لمؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية، وتأكد لي بعدها أن ما نعرفه عن هذا البلد لا يتعدى فعلا “قطرة في بحر الصين”، وأنني كنت على حق حين اخترت الوصف الأخير عنوانا لمقالي المشار إليه.

التعرف إلى الصين عن كثب بحاجة لزيارات عدة

خلاصة ما أريد التأكيد عليه، ولن تواجهوا عناء في اكتشافه، أن الادعاء بمعرفة الصين، بعد زيارة أو زيارتين أو أكثر، لا يعدو كونه وَهْمَاً، نحتاج من أجل تبديده القيام بسلسلة زيارات إلى هذا البلد حتى نقف على أرضية صلبة نطل من خلالها على حجم التطورات الهائلة التي يحققها في كل المجالات عبر نظام حكم قوي، ومنصف، وعصري، وشفاف، لكنه في نفس الوقت مرن، يستجيب للمتغيرات ويأخذها بالحسبان، ويجري المراجعات والمحاسبات اللازمة دون أن يتردد أو ينتابه مرض الشعور بالعظمة أو يضيع البوصلة القيمية التي تحكم مسيرة عمله، وهذا النظام الذي أشير إليه هو نظام الحزب الشيوعي الصيني الذي يستطيع أن يفاخر بنظام الحكم الذي يتبعه، النظام الاشتراكي ذي الخصائص الصينية، وذي نمط التحديث الصيني، وذي الأهداف المتمثلة صينيا بتحقيق العيش الرغيد للأمة الصينية، وعالميا بإنسانية تعيش بازدهار وأمن وسلام واحترام متبادل دون تدخل في شؤون الآخرين أو استعلاء عليهم أو صدام معهم.

انطباعاتي عن الصين بعد زيارتي الأولى والثانية

في الزيارة الأولى لهذا البلد – بمساحة تبلغ 9.596.960 كم² جعلته ثالث أكبر بلد في العالم من حيث مساحة البر، وعدد سكان جعله الثاني بعد الهند ووصل في إبريل عام 2022 إلى مليار و 4257 مليون نسمة –  خرجت بانطباع أولي كنت مذهولا فيه من التطور الإعلامي والثقافي والاقتصادي والتقني، وبالمحصلة الحضاري، الذي حققته الصين. وشاركت في هذه الزيارة بوصفي صحفيا وأتيح لي فيها الاطلاع على الامبراطورية الإعلامية الصينية المتمثلة بمحطة CCTV والفروع التي أنشأتها في مختلف المقاطعات الصينية، كما اطلعت على وكالة شينخوا وحجم انتشار مراسليها ومكاتبها في مختلف بلدان وقارات العالم.

رغم ذلك توصلت القيادة الصينية، ممثلة بالحزب الشيوعي الصيني، إلى نتيجة مفادها أن الإذاعة والتلفزيون والصحف المطبوعة، أصبحت مع التطور الهائل لوسائل الاتصال الحديثة، وسائل إعلام تقليدية، وأن المطلوب ليس التخلي عنها، بل تكييفها وتحديثها بما يواكب العصر، وكان  النقاش مع الرفاق الصينيين منصبا على هذه النقطة، وكيف يمكن تحقيق هذا الهدف، وما أنجزته الصين على هذا الصعيد!

في الزيارة الثانية، وارتدت طابعا ثقافيا وتعزز فيها انطباعي الأول حول التقدم الهائل الذي تحرزه الصين، زرت مدن (فوجو، شيامن، شنجن، وكوانجو) وهالني ما رأيت من ضخامة الطرق التي عبدها الصينيون، والأنفاق والجسور التي أقاموها والعمارات الشاهقة التي أنشؤوها وسكك الحديد التي مدوها حتى أنهم شقوا طريقا امتدت لعدة كيلومترات تحت سطح البحر. وكان الأسطول الجوي الصيني، طائرات ومطارات، حاضرا ولافتا في مختلف المقاطعات الصينية وما بينها وليس فقط خارج الصين، فهناك مطارات صينية داخلية ممتازة، عدا عن مطار بيجين الدولي الضخم، هذا عوضا عن الأسطول البحري الذي تستطيع الصين أن تفاخر به أمام دول العالم أجمع.

زيارتي الثالثة إلى الصين

في الزيارة الأخيرة ـ من 8 إلى 18 تموز 2023 – كان جدول الأعمال مزدحما، وكنت أكثر وعيا للمهمة التي أنا بصدد القيام بها وأكثر نضجا لطبيعة الفرصة التي أتيحت لي لزيارة الصين مجددا؛ لذلك حرصت على تسجيل انطباعاتي في كل محطة توقفت فيها وأرفقتها بما تيسر من صور استطعت التقاطها لتوثيق كتابتي عن هذه الزيارة عندما يتسنى لي ذلك.

هذا المقال عن هذه الزيارة الأخيرة تقريري يلخص لأبرز الاستنتاجات التي خرجت بها دون الخوض في التفاصيل والانطباعات الشخصية التي سأتركها لعمل كتابي آخر، أكثر تفصيلا، وأكثر اختلافا، وأكثر تنوعا وغنى، آمل أن يرى النور في أقرب وقت ممكن.

وصلت إلى بكين في ساعة متأخرة من ليل السبت/الأحد 8/9 تموز 2023 وحط بنا المطاف في فندق Wan Shou Hotel ، وهو فندق جميل، غرفه مريحة، تزنره الأشجار من عدة جهات، مملوك للحزب الشيوعي الصيني ويستقبل فيه من حلوا ضيوفا عليه، وفيه قاعات للمؤتمرات واللقاءات والندوات وورش العمل مجهزة بأحدث تقنيات التواصل والاتصال، كما يحتوي على مرافق متعددة الأغراض بما فيها مطعم فخم ومقهى ومسبح ونادي لممارسة الألعاب الرياضية.

الحزب المعجزة!

أقمت في الفندق لـ 3 أيام، 9 و 10 و 11 تموز 2023، زرت خلالها المدرسة الحزبية ومعرض تاريخ الحزب الشيوعي الصيني ومتحف جنتاي للفنون JINTAI ART MUSEUM الواقع ضمن حديقة الصين الوطنية وسور الصين العظيم وعلى الهامش تشرفنا باستقبال وعشاء رسمي أقامه سعادة سفير دولة فلسطين لدى جمهورية الصين الشعبية فريز مهداوي في مقر السفارة وباستراحة مع فنجان قهوة وشاي في (مطعم ألف ليلة وليلة) وهو مطعم عربي جميل وأنيق يديره أحد الأخوة السوريين.

لا يتسع المجال هنا للحديث عن المشاعر المختلطة التي انتابتني وأنا أتابع عبر تقنية 3D تاريخ الصراع الطويل والمرير والبطولي الذي خاضه هذا البلد العريق بشعبه الصبور وحزبه المكافح حتى تحرر من التبعية ونال استقلاله الوطني التام وأنشأ ما باتت تعرف بـ “جمهورية الصين الشعبية” ووصل إلى ما وصل إليه من تقدم جعله في مصاف أكثر دول العالم تطورا إن لم يكن على رأسها.

بعد انتهاء العرض طلب فقط من رؤساء وفود أحزاب الدول العربية الزائرة تدوين ملاحظاتهم في سجل الزوار، فقد كان عدد ممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات السياسية والمؤسسات الفكرية ووسائل الإعلام المشاركة كبيرا – بلغ عددهم 70 ممثلا من 19 بلدا – ومن المتعذر عمليا السماح لهم جميعا بتسجيل ملاحظاتهم.

كان الدكتور سمير الرفاعي عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” رئيسا للوفد الفلسطيني المشارك وضم حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني “فدا” الذي أمثله وكلا من حزب الشعب الفلسطيني ومثله الرفيق مصطفى الهرش، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني ومثلها الرفيق محمد علوش، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ومثلها الرفيق فتحي كليب، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومثلها الرفيق جميل مزهر، وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية ومثلها الرفيق مازن زقوت.

كتب الأخ الرفاعي في سجل الزوار ” إن العرض الذي قدم لتاريخ الحزب الشيوعي الصيني كان عبارة عن لوحة بانورامية .. الخ” وكنت في الأثناء أتحفز للكتابة لكن الأمر، وكما أسلفت، كان متعذرا علي؛ لذا انتهزت فرصة سؤالي من إحدى الصحفيات عن انطباعي فأجبتها ملخصا ” إن ما شاهدت يؤكد على أن حزبا – هو الحزب الشيوعي الصيني بالطبع – يمتلك هذه العزيمة وهذه الروح يستأهل أن يعمر طويلا”.

بالفعل، وكما قال السيد شيه تشونتاو النائب الأول لرئيس المدرسة الحزبية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، فقد ” خلق الحزب معجزة للأحزاب الحاكمة في العالم (…) فعمره يتجاوز الآن الـ 100 سنة، ولا زال في سدة الحكم منذ الاطاحة بنظام الحكم السابق عام 1949 وإقامة جمهورية الصين الشعبية، في حين انهارت أحزاب شبيهة أخرى مثل الحزب الشيوعي السوفييتي ولم يتمكن حزب عريق آخر هو حزب النظام الثوري في المكسيك من الوصول إلى سدة الحكم”.

أين يكمن السر؟

هنا قد يسأل سائل، وهذا منطقي تماما، عن السر حول ديمومة حكم الحزب الشيوعي للصين لـ 74 عاما متوالية، وحول التفاف الشعب الصيني حوله، وحول قدرته على الاستمرار رغم مرور 102 سنة على مؤتمره الأول الذي عقد في مدينة شنغهاي عام 1921؟

باختصار يناسب المقام وسألجأ للكتابة عن ذلك بشكل مفصل ومختلف عندما تتاح لي الفرصة، فإن الأمر يعود للفلسفة والنهج اللذين اختطهما الحزب لنفسه؛ فهو، وكما أمكنني تلخيص الكلمة التي ألقاها السيد تشونتاو فإن الحزب الشيوعي الصيني ” استخدم أحدث منهجيات التفكير، وأحدث طرق الدعاية، وأحدث وسائل التطبيق في تنفيذ المشاريع” وقرن ذلك ” بتوطين المفاهيم بما يناسب الواقع الصيني” ولجأ ” إلى تعميم النماذج الناجحة في المجتمع الصيني”، و “لم يغفل مبدأ المحاسبة والصرامة في عقاب كل فاسد”.

نبذة عن الحزب الشيوعي الصيني ونظام الحكم في الصين

يمارس الحزب الشيوعي الصيني دور القائد للدولة والمجتمع في الصين، لكن السلطة العليا في البلاد تعود للشعب الصيني وهذا ما يحرص عليه الحزب من خلال ضمان المشاركة لجميع الصينيين ممن تنطبق عليهم الشروط في اختيار ممثليه في المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والذي تتبع له مجالس على مختلف المستويات.

كما لجأ الحزب إلى تطبيق نظام الحكم الذاتي في بعض مناطق الصين حيث تعيش 56 قومية بتآلف وتعاون وتشارك في نهضة هذا البلد، وواقع العلاقة بين هذه القوميات هو أشبه ما يكون بفصوص “حبة الرمان” التي تجمعها ثمرة هذه الحبة حلوة المذاق كما يزهو بذلك الصينيون وحزبهم القائد: الحزب الشيوعي الصيني.

إدارة الدولة والحكم كما أكد على ذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ في كتابه (حول الحكم والادارة) المجلد الأول يستلزم التمسك بثلاثة شروط هي الطريق، وتتمثل بالاشتراكية ذات المعايير الصينية، والمنظومة، وتتعلق بالقوانين، والنظام الذي يعني الصرامة في التطبيق وفي التصدي للانحراف والفساد.

قبل سياسة الاصلاح والانفتاح التي أطلقها الزعيم الصيني دنغ شياو بينغ عام 1978 كانت الشركات العامة المملوكة للدولة الصينية تلعب دورا رئيسيا في النظام الاقتصادي الصيني، وكانت ملكية الأراضي الزراعية ملكية جماعية، لكن بعد هذه السياسة التي أرساها الزعيم بينغ وعززها الرئيس الحالي شي جين بينغ وأطلقها بشكل واسع وخلاق، تم تنفيذ اصلاحات هامة تمثلت بالانتقال من مرحلة (الاقتصاد الموجه) إلى مرحلة (اقتصاد سوق-اشتراكي)، وشمل ذلك ” تضمين الأراضي الزراعية للفلاحين لتحسين مبادراتهم الانتاجية، وتوفير بيئة ملائمة لنمو وازدهار القطاع الخاص ومشاريعه، والسماح بدخول الاستثمارات والمعدات الأجنبية”.

كان لذلك كما يقول السيد شيه تشونتاو ” أثر إيجابي كبير على الصين، ساهم في دفع نشاط حركة السوق، وفي توزيع الموارد على الشعب الصيني” وأوضح أن حصة شركات القطاع الخاص، ومنها شركة هواوي الشهيرة، من الناتج المحلي الاجمالي للصين تبلغ الآن النصف.

ومن المهام الرئيسية للحزب الشيوعي، كما أشرنا في المقدمة، “تأمين الحياة الرغيدة للشعب الصيني” وتعد أهم خطوة يجب انجازها قبل الانتقال إلى مرحلة التحديث الاشتراكي.

المؤتمر الثامن عشر والمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني

توقف الحزب في مؤتمره الثامن عشر عام 2012 أمام هذه المهمة وأشار إلى النجاح الذي حققه في انقاذ حياة 100 مليون شخص في الريف من براثن الفقر، وفي جعل الصين في موضع ثاني أكبر اقتصاد في العالم وصاحبة أكبر نظام ضمان اجتماعي فيه، لكن ما هي المهام التي حددها الحزب الشيوعي لنفسه في مؤتمره العشرين الذي عقده العام 2022؟

تتمثل هذه المهمة الأخيرة والعظيمة في ” إنجاز دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل من خلال اتباع استراتيجيات تسعى لتحقيق تنمية اقتصادية عالية الجودة”.

كما حدد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني أهدافا أخرى من أجل السعي لتحقيقها تتمثل بـ “التوافق بين الحضارة المادية والمعنوية للشعب الصيني” وبـ “التناغم بين الانسان والطبيعة” وبـ ” سلوك طريق تنمية صينية يختلف عن النمط الغربي”. وفي سياق عرض هذه الجزئية الأخيرة شدد السيد  تشونتاو ” على أن الصين لم تعتد في السابق على أي بلد ولن تفعل ذلك في المستقبل”.

السياسة الخارجية للصين وكيفية الاستفادة منها عربيا

وفق هذه الرؤية التي تعتمدها القيادة الصينية في سياستها الخارجية من الخطأ أن يراهن أي كان على لجوء الصين لسد أي فراغ قد ينشأ في منطقة الشرق الأوسط كما أوضحت برفيسورة صينية قدمت ورقة علمية أمام وفد أحزاب الدول العربية خلال زيارته لجامعة شنغهاي، كما أكدت على أن الصين ” لن تقبل الدخول في دوائر صغيرة”!

ربما تصلح هذه المقاربة الأخيرة لفهم والتقاط مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ ذات النقاط الثلاثة حول ايجاد حل للقضية الفلسطينية والبناء عليها لتصبح واقعا ملموسا على الأرض دون مبالغة في التوقعات، خصوصا إذا لم تترافق بجهد فلسطيني مسنود بدعم عربي ومن الأصدقاء في العالم لبناء التحالفات وممارسة الضغوط الممكنة واستكشاف الطريق المناسب وتعبيده من أجل انجاز هذا الهدف السامي المتمثل بتمكين الشعب الفلسطيني من تجسيد حقه في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وكاملة السيادة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967!

لقد نجحت الصين مؤخرا في توقيع اتفاق مصالحة بين السعودية وايران حل جزءا كبيرا من الخلاف بين البلدين راهن الكثيرون على استحالة حله وسعت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها إسرائيل للإبقاء عليه من أجل ضمان استمرار التوتر في منطقة الشرق الأوسط عموما ومنطقة الخليج العربي خصوصا للعب على التناقضات والتدخل في شؤون هذه الدول وتنفيذ سياساتها ومصالحها.

هذا الاتفاق أشاع أجواء ايجابية بين دول المنطقة سمحت بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية ويمكن التعويل على دور مماثل آخر للصين لـ “فكفكة” ملفات أخرى مستعصية مثل “الأزمة اليمنية” و “الانقسام الفلسطيني” وأظن أن القيادة الصينية لديها الرغبة وترحب بدعوتها للخوض في هكذا مساعي حميدة وتملك من الخبرة والعلاقات الطيبة مع كل الفرقاء بما يؤهلها للنجاح في ذلك إذا ما توفرت النوايا الصادقة لدى كل الفرقاء في الأطراف المعنية!

التشارك الصيني-العربي في بناء الحزام والطريق

عود على بدء فاتني أن أوضح أن مداخلتي في الدورة الرابعة لمؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية كانت بعنوان (الـفرص والتحـدیـات أمام التشارك الـصیني-العربي في بناء الحزام والطریق) وقد حرصت على التأكيد أنني لا أطرح فيها شيئا جامعا مانعا، بل أحاول بالشراكة مع كل المعنيين التفكير والعمل الصادق والحثيث لتلمس الطرق الكفيلة بمواجهة التحديات التي تقف أمام هذا التشارك، من جهة، وتعزيز الفرص التي تجعل من هذا التشارك أكثر فعالية وازدهارا بما فيه مصالح الجانبين، من جهة ثانية.

نوهت في المداخلة كذلك إلى حاجتنا للتفكير بشكل مشترك وبصوت عال من أجل الدفع قدما في مسيرة التشارك الصيني العربي في بناء الحزام والطريق دون أن نغفل القضية المركزية للأمة العربية، قضية فلسطين، وتمكين شعبها من تجسيد حقه في الحرية وإقامة دولته المستقلة وكاملة السيادة بعاصمتها القدس الشرقية وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة لديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها في نكبة عام 1948.

قلت إنني أتطلع لمقاربة جديدة نلتقي عليها جميعا من أجل إيجاد حل عادل ودائم وشامل لهذه القضية؛ لأنه دون ذلك ستستمر أسباب عدم تحقيق الأمن والاستقرار والسلام التي تمثل جميعا أساسا للازدهار المشترك الذي تسعى مبادرة الحزام والطريق لتحقيقه. وتوجهت، بالنص، إلى المشاركين في الدورة الرابعة لمؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية قائلا ” إن ما أتطلع إليه، بشكل واضح ومحدد، وأرجو الموافقة عليه، هو  التوافق على دعم الرؤية ذات النقاط الثلاثة التي طرحها الرئيس الصيني الرفيق شي جين بينغ لحل القضية الفلسطينية ودعوة القيادة الصينية للمباشرة بإجراء مشاوراتها واتصالاتها اللازمة لتنفيذ ما جاء فيها من نقاط خاصة مطالبتها بـ (عقد مؤتمر سلام دولي على نطاق أوسع وبمصداقية أكثر وتأثير أكبر) بما لا يتعارض مع منطوق قرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات والقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وبما يؤدي إلى تنفيذها ضمن خارطة طريق ومهل زمنية محددتين”.

وأضفت ” إن الرؤية المشار إليها تضع العالم مجددا أمام مسؤولياته من أجل التحرك السريع لإعادة إحياء (حل الدولتين) المتفق عليه دوليا والذي عمدت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، ليس فقط إلى التنصل من الالتزامات المترتبة عليه، بل أيضا إلى الاجهاز عليه من خلال سلسلة جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي تواصل ارتكابها بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني”.

هذا يتطلب، حسب ما شددت في مداخلتي، ” عدم السماح باستمرار الولايات المتحدة الأمريكية بلعب دور شرطي العالم الذي يتدخل بالشؤون الداخلية لدوله ويعتدي على مصالحها ومقدراتها وسيادتها ويسعى إلى نشر بؤر التوتر والنزاعات فيها كما فعلت الادارة الأمريكية أخيرا حين عطلت اللجنة الرباعية الدولية بذريعة الحرب الدائرة في أوكرانيا”.

مداخلتي لخصت بـ  ” أن الانتهاء من عهد الهيمنة الغربية الامبريالية وزمن القطب الواحد الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة الأمريكية بقرارات العالم وشؤونه وشؤون دوله ومنظماته بما فيها البنك وصندوق النقد الدوليين يجب أن يكون مهمة كل الأحرار والشرفاء والدول المحبة لإرساء أسس العدل والسلام في العالم وفي مقدمتها الصين والدول العربية عبر بناء تحالفات السلام والعمل والتعاون والمشاريع الاقتصادية المشتركة فيما بينها”

كما لخصت أنه ” لا يمكن الحديث في السياسة عن (صفر مشاكل) ولا عن (نهاية تامة للتوترات) ولا عن (قضاء مبرم على الارهاب) ولا عن (حل شافي للتلوث المناخي) الذي يعاني منه كوكب الأرض، دون العمل المشترك بين كل الفرقاء”.

لقد ختمت متوجها إلى المؤتمرين، وهذا ما أشدد عليه مجددا هنا، على أنه ” معا يمكننا أن ننجح، وبتعاوننا المشترك سنصل، وكلنا سنجني ثمار الرفاهية التي تعد بها مبادرة الحزام والطريق.. وهذا ممكن.. ويتحقق ويحرز تقدما”.

حول المدرسة الحزبية للحزب الشيوعي الصيني

لفتني خلال الزيارة، والتي كما أسلفت شملت المدرسة الحزبية للحزب الشيوعي، أن على أمناء سر لجان الحزب وحكام المقاطعات والوزراء وغيرهم من المسؤولين الصينيين الخضوع لتدريبات في المدرسة مرة واحد في السنة، كما أوضح السيد شيه تشونتاو النائب الأول لرئيس المدرسة الحزبية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وقد بلغ عدد الذين تلقوا تدريبات في المدرسة حتى تاريخه من هذه السنة 2023 أكثر من 20000 شخص، ومن مهام المدرسة الأخرى تلقي دروس حول الدعاية والاعلام والتعريف بأفكار الرئيس شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية ..الخ، وعمل دراسات في مجال العلوم الاجتماعية خاصة بالمجتمع الصيني وعدم الاعتماد على العلوم الاجتماعية التي انتجها الغرب لأنها قد تكون مضرة.

ومن اللافت لي أيضا اقتران اسم المدرسة الحزبية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بـ (المعهد الوطني للإدارة)، وبرأيي المتواضع فإن هذا الربط الذي قام به الحزب يمثل نوعا خلاقا هو الأول من نوعه في تاريخ الأحزاب الشمولية بل وفي تاريخ الأحزاب في العالم أجمع فما بالنا إذا كان الحديث يجري عن أكبر حزب على وجه المعمورة؟!

تحديث.. مراجعة.. ومحاسبة

حسب أحدث الاحصاءات يبلغ عدد المنتسبين للحزب الشيوعي الصيني 98 مليون عضو، وعدد المنظمات القاعدية الحزبية 5  ملايين منظمة، وعدد اللوائح الناظمة لعمل الحزب هي الأكبر في العالم، وهناك شروط وإجراءات صارمة لقبول الأعضاء الجدد، وفي مرحلة اختيار وتعيين الكوادر القيادية تكون الاجراءات أكثر صرامة، وقد وجه الأمين العام للحزب شي جين بينغ بأن يكون المعيار في اختيار هذه الكوادر ” الاخلاص للحزب، والنزاهة، والقدرة على تحمل المسؤولية”.

ليس غريبا إذا قلت إن الحزب الشيوعي الصيني هو حزب شاب، وهو قادر على أن يعمر طويلا وأن يستمر في حكم الصين لسنوات طويلة أيضا، كيف لا وهو يحرص على اختيار كوادره ليكونوا من المتفوقين، كما يحرص دوما على عمل المراجعات اللازمة التي يقتضيها العصر وتتطلبها التطورات واحتياجات الشعب الصيني ولا يتورع عن إجراء المطلوب منها دون تردد.

وحسب لوائح الحزب الناظمة لعمله، وحسب توجيهات أمينه العام شي جين بينغ فإن ” من يخل بالنظام الحزبي يعاقب بصرامة” كما لدى الحزب ” روح للثورة الذاتية، ويرى ضرورة التحديث من وقت لآخر، ولمحاربة الظواهر السلبية مثل الفساد”.

منذ عام 2012 وانعقاد المؤتمر الـ 18 للحزب الشيوعي الصيني، وكما أوضح السيد تشونتاو ” تم محاسبة ومعاقبة 570 كادر متقدم في الحزب، وبذلك تم احتواء ظاهرة الفساد وزادت ثقة الشعب الصيني في الحزب، وأصبح الحزب أكثر قوة وقدرة على الحكم”.